آخر الأحداث والمستجدات
الثقافة بين الرؤية السياسية وصناعة الفرجة والإحياء نموذج مهرجان عيساوة بمكناس

في السابق من الزمان، كان المثقف هو المنظر الحقيقي للفعل السياسي ولرؤية الأحزاب السياسية والمجتمع، بينما اليوم أصبح السياسي هو من يصنع الحدث الثقافي. مقاربة مُربكة في حد ذاتها، ولا تستوجب منَّا الوقوف عندها لعدة اعتبارات ذاتية تهم المثقفين والمبدعين (الشتات الثقافي والانهاك المعرفي)، وموضوعية تهم الشأن السياسي ( الاستقطاب وتسويق العلامة).
فإذا كان الفعل الثقافي على وجه العموم يعيش مرحلة من "الانتكاسة الفكرية" وفق تعطيل أدوار المثقفين والمبدعين، وغياب الأدوار الوازنة للمثقف الجذري والعضوي في المجتمع، وظهور "الترهل الفكري نحو التفاهة والبلاهة/ المثقف الشبيح/ المثقف الشارعي"، فإن السياسيين ( في مراكز القرار) باتوا يستفيدون من الامكانات التي تحت أيديهم بطائلة القانون المنظم للجهات والجماعات الترابية، وشرعوا في عمليات تلميع الصورة والأداء، وعمليات الاستقطاب وتزيين الصورة (الانتخابية)، ولما لا حتى القيام بالحملات السياسية ( وفق منهج التقية) بوجه الثقافة و سياسة "الاحياء".
إعادة الاعتبار للثقافة النظيفة بمكناس، وإحياء التراث الوطني، و كذا صناعة الوجه الحداثي للثقافة العالمة، بات من العمليات السياسية التي تَنْفخ للإحماء من خلال كير الحداد على رماد الثقافة ( البارد) وذلك لمعاودة الاشتعال والتطوير، وسد فوهات الدخان الخانقة للفعل الثقافي المُزمن. لا علينا، ما يخدم الثقافة الرزينة نحن مع قلبا وقالبا، ومهما كان فهو عمل ذا توجيه وطني عام، وتأصيل جزئي من المهام الكلية لأدوار السياسي في كراسي التسيير الاداري، والمجتمع المدني (الجمعيات).
قضية تطغى علينا بالخوف كأولوية، وذات مرجعية فُضلى في عمليات إعادة الاعتبار للثقافة، واحياء التراثي المادي واللامادي، هي قضية خوفنا التام كما قيل من: " تسليع الثقافة" بالألوان السياسية !!! قد نتفق ونختلف في الرؤى والموجهات والاستعراضات، ولكنا قد نتوافق في نزع شعرة معاوية من الثقافة المكهربة، والتي يجب ألا تكون تحت أية مظلة سياسية مهما كانت.
قد لا نتحدث عن الثقافات المتنوعة بمرجعات الهويات المنفردة الوطنية، وكذا استحضار الذاكرة اللامادية المشتركة، بل نتحدث عن الثقافة الرسمية، والتي يتم تمويل مهرجاناتها ومواسمها من المال العام (الدعم)، والكلفة المالية الكبيرة !!!
من تم، فالموقف الثقافي اللازم بالضرورة الملحة، يجب أن يكون عبر مؤسسات ثقافية ( إنشاء وكالة مستقلة للتدبير الثقافي والفني/ بالجهة والعمالات والأقاليم) تضم الخبرة والموازنة التمثيلية المتنوعة، والرؤية الاستراتيجية في تحقيق صناعة ثقافية (مستقلة) تحتفي بالتراث العريق والتجديد الحضاري، وتصنع التلاقح الثقافي ضمن وحدة الذاكرة الوطنية المشتركة، والكونية المنفتحة.
قد نستقصي النموذج لكلامنا هذا، من خلال الانتظار الذي نتوجس خيرا في إخراج مهرجان (عيساوة/ الدورة الخامسة/ مقامات وإيقاعات عالمية) في نسخة فريدة ومتميزة ما بين (23 إلى 26 يوليوز 2025). فضمن رؤية الموجه الجهوي والمحلي وممثل مكون المجتمع المدني (جمعية مكناس الثقافات)، نعترف بوجود قيادة سياسية وتشاركية واعية أولا بأدوارها الثقافية والفنية والجمالية، وثانيا واعية بالحمولة الثقافية والحضارية للتراث المادي و اللامادي بمكناس، والحفاظ على الذاكرة (العيساوية) المشتركة من التلف والتشويه بالمحسنات الدخيلة !!! وثالثا واعية كل الوعي بتحييد الانتماء السياسي الرمزي من الفعل الثقافي عموما !!!
من البداية، عودة المهرجان لمدينة مكناس، الموطن الأصلي للصوفية العيساوية، استحسنه الجميع، وبلا توابع لغو كلامية. استحسنه المتتبع على عدة اعتبارات متعددة، والمتمثلة في الكفاف الترفيهي والفني بمدينة مكناس في موسم العطلة الصيفية (شهر 8). ومن بين التوابع الأخرى التي لا بد من الانتباه إليها، فنجاح مهرجان (عيساوة) لن يكون تدبيره عن بعد ومن مركز الجهة (القطب الأول) والإشراف (الاجتماعات والهندسة). لن يكون ناجحا، إلا عبر تعاون تشاركي منفتح بين المؤسسة (السياسية) والمثقفين والفنانين بالتنوع لتحقيق الأهداف الكبرى والعودة الميمونة لمهرجان (عيساوة). لن يكون عبر البحث عن دعم وتوكيلات لبعض الوجوه الفنية خارج الدائرة العيساوية، ومعاودة إقصاء المدينة في الاشراف والتنظيم والتوجيه وإبداء الرأي نموذج: (مهرجان وليلي الدولي لموسيقى العالم التقليدية).
لن يكون نجاح المهرجان، الا عبر دائرة تتحد بالجمع على خلق "حراك" لامادي للظاهرة العيساوية بالمدينة والوطن والعالم، وتجسير مفهوم مهرجان (عيساوة الوطن) العابر للحدود، على اعتباره قيمة المهرجان المعرفية والاقتصادية والفنية والتراثية والروحية (الصوفية)، لا لحظة من التمرير الفولكلوري البخس للمشاهد والطوائف.
الكاتب : | محسن الأكرمين |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2025-05-23 21:36:54 |